6 مايو 2014

أين أنت من القرآن الكريم؟



أين أنت من القرآن الكريم

من نِعم الله تبارك وتعالى على الناس وعلى الجن أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأيَّد الله تبارك وتعالى رسله بالآيات التي نسميها المعجزات، هذه الآيات تدل على صدقهم وعلى أنهم مبعوثون من عند الله تبارك وتعالى، وهذه الآيات ذهبت بذهابهم وماتت بموتهم إلا آية واحدة أبقاها الله تبارك وتعالى إلى يومنا هذا آية أيّد الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم مع كثير من الآيات ولكن كلها ذهبت وبقيت هذه الآية العظيمة الدالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية هي كتاب الله تبارك وتعالى.
هذا الكتاب الذي تعهد الله جلّ وعلا بحفظه وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، هذه الآية التي قال الله تبارك وتعالى عنها: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [قصلت:42]، هذه الآية هي كتاب الله تبارك وتعالى الذي تحدى به الإنس والجن على أن يأتوا بقرآن مثله قال تعالى: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]، ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23]، وسلموا أمرهم لله تبارك وتعالى فكانوا يقرون أن هذا القرآن فوق مستوى البشر، وقال الله تبارك وتعالى مبينًا ذلك: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] وقال عن قوم موسى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [النمل من الآية:14] صحيح أنهم جحدوا بها ولكن استيقنتها أنفسهم فهم يعلمون أنه حق ويعلمون أن البشر لا يستطيعون أن يأتون بمثله ومع هذا جحدوا والعياذ بالله واستكبروا عن أمر الله جل وعلا.
هذا القرآن جاء في فضله أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نذكر بعضها منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يشتد عليه وفي رواية وهو يتتعتع فيه فله أجران»، ويقول صلوات الله وسلامه عليه لأهل الصفّة: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان فيأتي منه بناقتين كوماوين من غير إثم بالله ولا قطيعة رحم؟»، قالوا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه: «فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين خير من ناقتين وثلاثٌ خير من ثلاث وأربعٌ خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل»، آية من كتاب الله يتعلمها الإنسان خير من ناقة كوماوة وآيتان خير من ناقتين وثلاثٌ خير من ثلاث وهكذا، ولكن من يعي وأين من يحرص؟، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار وله جار يسمعه ويقول يا ليت لي مثل ما لفلان فأفعل كما يفعل، ورجل آتاه الله مالًا فهو يسلّطه على هلكته في الحق».
هذا القرآن العظيم أمر الله تبارك وتعالى بتدبره بل نعى الله جل وعلا على من لا يتدبر كتابه فقال الله تبارك وتعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ»، وذكر هذا في آيتين في الآية الأولى قال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82] وفي الآية الأخرى قال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
أعلى القلوب أقفال تمنعها من تدبر القرآن؟ أوجد الناس اختلافًا في كتاب الله تبارك وتعالى؟ أبدًا، ليس على القلوب أقفال وليس في القرآن اختلاف ولكن في الناس إعراض والعياذ بالله، أعرضوا عن كتاب الله جل وعلا، الذي يقول عنه {لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر من الآية:21] وهو جبل حجارة متراكمة بعضها على بعض فما بال قلوب البشر؟ أهي أشد من الجبال؟ إي والله إن من قلوب البشر لما هو أشد من الجبال كما قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة من الآية:74] و{أَوْ} هنا بمعنى بل وهي للإعراض، أي أن هذه القلوب كالحجارة ثم قال الله تبارك وتعالى بل هي أشد قسوة من الحجارة ثم بيّن الله الحجارة وبين أنها تختلف عن القلوب القاسية فقال الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة من الآية:74]، وقلوب بعض العباد أقسى حتى من الحجارة فتسمع آيات الله فلا تتأثر بها فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول عبد الله بن مسعود وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن". وهذا القرآن العظيم تأثر به المشركون، فهذا عتبة بن ربيعة أرسله كفار مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له اذهب إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم انهه عما هو عليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:  يا محمد آذيتنا في أزواجنا وآذيتنا في أولادنا وآذيتنا في أنفسنا فماذا تريد؟ إن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا وإن كنت تريد مالًا جمعنا لك من المال حتى تكون أغنانا وإن كنت تريد جاهًا وجهناك علينا حتى لا نقطع أمرًا حتى نأخذ برأيك وإن كنت تريد زوجة زوجناك أجملها فماذا تريد؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنهى عتبة كلامه فلما انتهى التفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: «أنتهيت يا عم؟» إكرامًا له لكبر سنه، قال:  نعم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فاسمع منّي» فقال: قل، فقرأ عليه أول سورة فُصّلت ولم يتكلم بكلمة من كلام البشر ولكن تكلم بكلام رب البشر سبحانه وتعالى فصار عتبة يسمع وينبهر مما يسمع حتى وضع يديه خلف ظهره وهو يستمع كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى فلما انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى عتبة وقال: «هذا ما عندي»، فرجع إلى كفار مكة وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر فلما دخل عليهم نظروا إليه وإذا هو قد تغيّر فقال بعضهم لبعض:  تالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به.
وهذا الوليد بن المغيرة يصف القرآن الذي يتلوه رسول الله بقوله: إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه لحطم ما تحته وفيه نزل قول الله تبارك وتعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا . وَبَنِينَ شُهُودًا . وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا . سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا . إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ . فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ نَظَرَ . ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ . ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ . فَقَالَ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ . إِنْ هَـٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ . سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:11-26].
وهذا جُبير بن مُطعم يقول:  كنت أطوف بالكعبة فإذا محمد يصلي فاختبأت خلف أستارها فصرت استمع إليه وهو يقرأ سورة الطور فسمعتها فكاد أن يطير قلبي فما ملكت نفسي حتى أنهى قرأتها فجئت وأسلمت.
كم مرة قرأت سورة الطور؟ وكم مرة تأثرت؟ وهذا أبو سفيان ومعه أبو جهل والأخنس بن شُريق جاؤوا والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقرأ القرآن يقوم الليل كما قال الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:1-4]، فكان كفار مكة يأتون ويستمعون إلى قراءة النبي صلوات الله وسلامه عليه خلف الجدار فلما أنهى قراءته انصرفوا في جُنح الليل فرأوا بعضهم فقال بعضهم لبعض:  ويحكم ماذا جاء بكم؟ فقال كل لصاحبه:  جئت لاستمع، قالوا:  فلا تعودوا بعد هذه الليلة فتغروا السفهاء وهكذا ثلاث ليالٍ، ثم في الثالثة لما رأى بعضهم بعضًا تعاهدوا على ألاّ يرجعوا فقالوا: لا تغرون جهّال مكة بمجيئكم وسماعكم لقراءة النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى الصحيح أيضًا أن عمر بن الخطاب ما أسلم إلا لما سمع قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الكعبة لا القصة المشهورة وهي قصة فاطمة بنت الخطاب فإنها قصة ضعيفة والقصة الصحيحة هذه وأن عمر سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ كلام الله تبارك وتعالى عند الكعبة فرجع وأسلم. فهكذا كانوا يتأثرون بقراءة القرآن.
ويذكر عن رجل من قريش أنه علّق أبيات شعرٍ على الكعبة يهجو بها الإسلام ويهجو بها النبي صلوات الله وسلامه عليه ويهجو بها المؤمنين ويهجو بها القرآن فما ملك رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه وأخذته الغيرة فجاء وعلّق بجانبها سورة الرحمن فجاء الكافر من الغد فوجد سورة الرحمن معلّقة فقرأها وأعلن إسلامه فقال لا والله لا يقول هذا إلا إله. هكذا كانوا إذا سمعوا القرآن عرفوا ما فيه وتأثروا به فمنهم من يُؤمن ومنهم من يُعرض لكن الكل يُقر أنه من إله سبحانه وتعالى.
كيف نتأثر بالقرآن؟
1- قال الإمام الطبري رحمه الله: "إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ولم يعلم تأويله فكيف يلتذ بقراءته؟" فلا بد إذا أردنا أن نتأثر بالقرآن أن نتدبر معانيه.
2- كذلك أن نجعل له وقتًا من أوقاتنا، لا تكون قراءة القرآن فقط إذا تأخرت الإقامة (لصلاة الجماعة) بل لا بد أن تجعل له من وقتك، لا أقل من نصف ساعة في اليوم تخصصها لقراءة كتاب الله تبارك وتعالى، ولتدبر معانيه، لا أن تجعل للقرآن وقت الفراغ فقط الذي لا تجد فيه شغلًا بحيث إنك لو شغلت في شيءٍ آخر ما قرأته، بل اجعل له وقتًا دائمًا من كل يوم فعندك أربعٌ وعشرون ساعة في اليوم والليلة.
3- الإكثار من قراءة سير الصالحين وسيدهم رسولكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كان يقرأ ويتدبر صلوات الله وسلامه عليه، ثم نقرأ سير التابعين وأتباع التابعين وغيرهم من علماء السلف. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه قام ليلة كاملة يقرأ آية واحدة {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، أما عن سير الصحابة فهذا أُسيد بن الحضير كان يقرأ القرآن حتى نزلت الملائكة لسماع قراءته، حتى خشي على ولده وترك القراءة فلما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هذه الملائكة نزلت تسمع قراءتك». وهذا سفيان الثوري إمام أئمة أتباع التابعين قام ليلة كاملة يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] يكررها ويتدبرها وينظر في معانيها ويعيش معها ليلة كاملة.
4- كذلك إذا أردت أن تلتذ بقراءة القرآن عليك أن تقرأه القراءة الصحيحة، مطبقًا أحكام التجويد، ومن أهم الأشياء أن تقرأ القرآن على شيخ مُجيد.
5- محاولة التعايش مع أحداث القرآن، عندما تمر بآيات التهديد وآيات الوعيد وكذلك آيات الجنة والنار يجب أن تتأثر بها وأن تتعايش معها، كذلك لما تقرأ سورة آل عمران وسورة الأنفال والأحزاب والمعارك التي تكلمت عنها هذه السور فتعايش معها واستشعر أنك كنت مع النبي صلوات الله وسلامه عليه ومع أصحابه وأنك قاتلت معهم وجاهدت، ولما تقرأ الآيات التي تحث على الإنفاق تذهب وتُنفق كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا فأرعِها سمعك فإما خير يدلّك الله عليه وإما شر ينهاك الله تبارك وتعالى عنه".
6- الانتباه وعدم السرحان، فلا تقرأ القرآن وقلبك لاهٍ عن الله تبارك وتعالى بل إقرأ القرآن وقلبك وذهنك وعقلك معه وكلّك معه.
7- تغنَ بكتاب الله تبارك وتعالى، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس منّا من لم يتغنَ بالقرآن»، فتغنَ به، لا تقرأ القرآن كما تقرأ الصحف اليومية أو أي كتاب آخر، فأذن الله للأنبياء أن يتغنوا بالقرآن، فكان نبي الله داود صلوات الله وسلامه عليه شجي الصوت بالقراءة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي موسى الأشعري «كأن الله أعطاك مزمارًا من مزامير آل داود»، وذلك لحسن صوته.
8- التكرار، كرّر الآية مرة ومرتين وثلاثًا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ آية واحدة في قيام الليل كله.

إن تنصروا الله ينصركم



إن تنصروا الله ينصركم

وعد الله تعالى عباده المؤمنين بأن يمنع عنهم كيد أعدائهم فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده قال الله تعالى:{وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة من الآية:111]، وقال تعالى:{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:6]، فالوعد في هذه الآية بالنصر والتمكين للمؤمنين متحقق لا محالة.
ووعد آخر بالعلو على الكافرين وهزيمتهم قال الله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء من الآية:141]، ولكن لكل واحد من الواعدين شروطًا يتوقف تحققه عليها.

فالآية الأولى تبين أن النصر مشروط بنصرة العباد لله تعالى، ونصرة الله تعني الامتثال التام لما أمر الله به، والاجتناب التام لما نهى عنه، وهي دعوة جرت على ألسنة الرسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف:14]، فعيسى عليه السلام دعا قومه وأتباعه لنصرة الله تعالى.

والآية الأخرى علقت النصر والتمكين بنصرة الله، كما أن الآية التي أخبر الله تعالى فيها بأنه لن يجعل للكافرين علوًا ولا ظهورًا على المؤمنين بينت أن ذلك الكبت للكافرين إنما يكون في مقابل أهل الإيمان والإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالمسلم حتى يكيد الله له ويقويه على أعدائه ويصرف عنه كيدهم لابد أن يوالي الله تعالى حق الولاء، ويقوم بما يجب عليه حق القيام، فمن فرط في نصرة الله تعالى لن ينال من الله عز وجل النصر والتأييد ولذا قال المولى تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

ولاسبيل للمسلم إلى ولاية الله، حتى يكيد له رب العزة كما كاد جل جلاله لأنبيائه ورسله بمن هو أهل للكيد، إلا إذا سار على درب الأنبياء وعمل بتعاليمهم فعندئذٍ لن يتخلف وعد الله تعالى الذي أثبته في كتابه:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ .إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} [الصافات:171-172].

إننا نتساءل اليوم متى نصر الله؟ أما آن لليل أن ينجلي؟ أما آن للفجر أن ينبلج؟ أما آن للقيد أن ينكسر، ولكننا إلا من رحم الله نمدد أمد الليل بمسيرنا عكس جهة الشروق، وذلك بما ندخله في بيوتنا من مفاسد وشرور، ونوغل في البعد بما نطوق به أنفسنا من المعاصي والمخالفات، وندبر عن طريق الفجر والنور بإعراضنا عن منهج الله.

ألا فليعلم من يقع في المخالفات أنه ثقل في موازين الأعداء، خصم على أمته، وليعلم من يعرض عن الطاعات أنه يحدث في جسد الأمة –وهو منها- جراحات غائرة تزيدها إثخانًا وضعفاً، وليعلم من يتغافل عن نصح غيره ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يطيل على الأمة ما هي فيه من الكربات.

إن كل واحد منا مدعو لأن يزن حاله ليعرف هل هو خصم على الأمة، هل هو ثقل في ميزان أعدائها، هل هو سبب في إطالة ليلها بما اقترفت يداه، فما أشقى من شقيت به الأمة وما أسعد من سعدت به الأمة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم

نحو ثورة على الإعلام الفاسد​



نحو ثورة على الإعلام الفاسد​
 


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فمما لا شك فيه أن وسائل الإعلام تلعب دورًا غاية في الخطورة في تشكيل الوعي الذي يكون دائمًا هو الدافع للفعل أو المثبط عنه، وقد علم ذلك جيدًا من بيدهم السلطة والقوة؛ فعملوا على ما يلي:

  1. الإكثار من إنشاء وسائل الإعلام، سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة، إما عن طريق الدولة ومواردها، أو عن طريق التسهيلات الكبيرة التي تقدمها لأصحاب رؤوس الأموال ذوي التوجه العلماني، أو أصحاب التوجه الديني في الظاهر والموالي للسلطات في الباطن، أو على الأقل الساكت عن انتقادها وتوجيه الجماهير لتقويمها.
     
  2. تحسين وتطوير تلك الوسائل الإعلامية، عن طريق ضخ الأموال المخصصة لها، وصناعة الرموز وتنجيمهم، وتنويع المعروض؛ من أخبار وأفلام ومسلسلات ومسرحيات، والأغاني والمسابقات والإعلانات... إلخ.
     
  3. التركيز على الجانب الجنسي بدرجاته المختلفة؛ بداية من مجرد الظهور بالملابس المثيرة للغرائز، مرورًا بالرقصات الخادشة للحياء، ووصولًا إلى مشاهد القبلات والرذيلة الصريحة، تحت اسم العشق أو الحب أو غير ذلك.
     
  4. الإتيان ببرامج دينية موالية للدولة على نفس محطات الرذيلة؛ إضفاءً للشرعية، ومن أجل عدم ظهور تلك المحطات بصورة الشيطان المحضة، فها نحن نحب الدين وليس بيننا وبينه أي عداء!
     
  5. تضمين التوجهات السياسية أو الثقافية العلمانية للدولة من خلال المادة الإعلامية، سواء كانت هذه المادة أخبارًا؛ فيذيعون أخبارًا لم تحدث؛ كقيام جماعة ما بتفجير مكان ما، أو اغتيال شخص ما، من أجل تشويه تلك الجماعة التي تعاديها الدولة لأنها معارضة لسياساتها الفاسدة، أو سواء كانت تلك المادة "فنية" كفيلم أو مسلسل، يكون فيه شخص ملتحٍ ينافق المجتمع ويظهر أمامه بصورة التقي وما هو إلا شيطان يمشي على الأرض، فيأتون به وهو يصلي مع المصلين ثم يختفي ليسرق أموال اليتامى التي يجمعها تحت اسم الصدقات، أو ليقوم ببعض العمليات المسلحة التي يقتل فيها غير مسلمين يصورهم الفيلم بأنهم أسوياء السلوك حريصون على الخير.
     
  6. استغلال وقائع حدثت بالفعل من أجل تحقيق هدف سياسي أو ثقافي؛ سواء بتضخيمها وتسليط الضوء عليها أكثر من الطبيعي، أو اختلاق وقائع أخرى منطلقة من الواقعة الجزئية الصغيرة، وقليل من يسألون عن التفاصيل.

    هذا جزء صغير من بعض صنيع من بيده القوة أو السلطة بالإعلام؛ من أجل أهداف كثيرة قد نستطيع حصرها في هدف كبير واحد، ألا وهو تشكيل الوعي كما سبق، تشكيل الوعي بما لا يتعارض مع توجهات الدولة والسلطة، التي غالبًا ما تكون توجهات فاسدة تحتاج إلى غطاء تجميلي، تحصله الدول عن طريق الكذب في نقل الحقيقة، وتخدير الرأي العام بالتوافه المختلفة التي تلهيه عن قضايا كبيرة تحدث حوله؛ فتجد المشاهد مشغولًا للغاية بحادثة قام بها فصيل سياسي معارض للسلطة، وهي في الحقيقة لم تحدث، أو حدثت ولكن نسبها الإعلام لهذا الفصيل كذبًا، أو تراه مهتمًّا جدًّا بمباراة كرة قدم سوف تقام، أو تجده ينتظر على أحر من الجمر ما سيحدث في الحلقة الجديدة من المسلسل المفضل عنده، لا يتوقف الانشغال عند ذلك فحسب؛ بل يعقبه كلام وحوارات مكثفة حول الحادثة أو المباراة أو المسلسل، مع الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل، وبذلك تمتلئ الحياة بالتوافه وتصرف الإنسان عن الأشياء المهمة لرفعة أمته.

    أما ما تقوم به السلطة من ظلم وعدوان وسرقة وتقصير وقمع، فلا تجده في وعي المشاهد أو يسيطر على تفكيره، وإن تكلم عنه قليلًا لأنه لامسه بنفسه فسرعان ما ينساه بالملهيات والتوافه الأخرى، وتعود حياته لتسير بصورة طبيعية بلا تحرك لإيقاف فساد الدولة بأي طريق متاحة.

    من هنا برزت الحاجة بل الضرورة إلى ثورة على الإعلام الفاسد؛ سواء كان هذا الإعلام هو الإعلام النظامي، أو الإعلام الخاص المشارك في تزييف الوعي، وتشويه الشخصية المسلمة، بل وهدمها.

    سبل مواجهة هذا الإعلام الفاسد كثيرة، ولكني أركز في هذه الأسطر القليلة على جانبين، المقاطعة، وتفعيل الإعلام البديل.

     
  • أما المقاطعة فتكون لوسائل الإعلام تلك على كافة الأصعدة، وتُنشر قوائم تحتويها جميعها على مستوى كل بلد، ويكون النشر في كافة التجمعات الممكنة، من الجامعات، والمدارس، والمساجد، وأماكن العمل، والنوادي، والفنادق، والمقاهي، والإنترنت على المواقع المختلفة وبالبريد الإلكتروني، وغير ذلك، مع أهمية صدور فتاوي للعلماء والمجامع الفقهية الحرة بحرمة مشاهدة تلك القائمة المسماة بكذا، وحرمة نقل الأخبار التي تصدر عنها، وهكذا، ولتكن مثلًا اسمها: "قائمة إعلام الفتنة"، والتي يتم تحديثها كل فترة زمنية معينة، ستة أشهر أو عام مثلًا، وتصدر رسميًّا مختومة باسم حملة المقاطعة، ومذيلة بتوقيعات العلماء والرموز المجتمعية الشريفة وذات التأثير.
     
  • أما الإعلام البديل، أو الصحافة الشعبية، أو إعلام المواطن؛ فالمقصود به: الجهود الإعلامية التي تكون خارج سيطرة الدولة ورأس المال الفاسد؛ مثل: مواقع التواصل الاجتماعي، أو القنوات الفضائية بترددات خارج نطاق تحكم السلطة، أو المنشورات المحلية الورقية.

    وهذه وسيلة غاية في الأهمية قامت بسببها ثورات أسقطت أنظمة مستبدة، وتم الكشف من خلالها عن قضايا فساد كثيرة متورط بها مَن بأيديهم الإعلام الرسمي، وبالتالي لا يسلطون عليها الضوء في إعلامهم؛ مما أدى إلى توقف الفساد في هذه القضايا؛ بل وساعدت تلك الوسائل في منع مجازر كان متوقعًا حدوثها؛ كتلك الفتاة المصرية التي أخرجت هاتفها مستخدمة لبرنامج يسير للبث المباشر على الإنترنت، والذي نقلته عنها مباشرة وسائل إعلام عالمية، مما جعل قوات الشرطة أمام مسجد الفتح برمسيس تتحول من ذئب إلى حمل وديع، وعاملت المحاصرين داخل المسجد بكل رفق، إلى أن غابت عن البث المباشر فأحرقت عشرات منهم داخل سيارة الترحيلات حين غابت الكاميرا!

    إنجازات الإعلام البديل أكثر من أن تُحصى، بإمكانك الآن أن تسجل مقطعًا مرئيًّا تركز فيه على منكر ما بهدف إزالته، حين تنشره على الإنترنت بكل سهولة ليصبح قضية رأي عام؛ ليتم إحراج السلطة على الملأ فتتوقف عنه أو على الأقل تقلل منه.

    كذلك في أي لحظة بإمكانك أن تكتب عن واقعة ما أنت شاهد عيان عليها، قبل أن تلتقطها وسائل الإعلام الرسمية فتزيفها وتحرفها.

    كما تستطيع أن ترد كذب الإعلام الرسمي، وتقف له بالمرصاد وتلتقط أخطاءه؛ لتبين للناس كيف يضللهم الإعلام... إلخ.

    لذلك لابد من نشر ثقافة الإعلام البديل وأهميته، كما ينبغي تدشين دورات تدريبية في مختلف المحافظات والمدن على وسائل الإعلام البديل المختلفة؛ كمواقع البث المباشر من خلال الهاتف، ومواقع التدوين المختلفة، ومواقع المرئيات.

    مع التدريب على الأسس المختصرة للتصوير المرئي والثابت، والبرامج الميسرة التي تعالج تلك الصور وتحررها؛ بحذف الغير لائق مثلًا، أو الكتابة عليها، استعدادًا لنشرها على المواقع المختلفة؛ كذلك التمرين على قواعد تلقي الأخبار، وكيفية صياغتها ونشرها، وهكذا.

    لم أستطع البوح بكل شيء حول هذا الموضوع المهم في هذه العجالة؛ ولكني ألقيت الضوء فقط على الخطوط العريضة له، وعلى القارئ البحث والتنقيب حول تلك الخطوط لتحصيل الإفادة الأكبر، والله الموفق.