فضائل أم المؤمنين عائشة رضي اللهُ عنها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:فهذه
مقتطفات من سيرة أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم، تزوجها
النبي صلى اللهُ عليه وسلم وهي بنت سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين،
أخبر النبي صلى اللهُ عليه وسلم أنها من أحب نسائه إليه، بل من أحب الناس
إليه، ولم يتزوج بكراً غيرها، أنزل الله في براءتها قرآناً يُتلَى إلى يوم
القيامة، ولم ينزل عليه الوحي في فراش امرأة سواها، وكان لها شرف خدمة
النبي صلى اللهُ عليه وسلم وتمريضه في أيام حياته الأخيرة، فما أن نزل به
المرض حتى كان يسأل عن ليلتها، وتوفي ورأسه في حجرها وبين سحرها ونحرها،
وقُبض النبي صلى اللهُ عليه وسلم وهو راض عنها، ودُفن في بيتها.
إنها الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، الطاهرة العفيفة عائشة بنت أبي بكر الصديق عبدالله بن أبي قحافة القرشي التيمي وأمها أم رومان الكنانية، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث هشام عن أبيه قال: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ: وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا".
قال الذهبي رحمه الله: هاجر بعائشة أبواها، وتزوجها نبي الله قبل مهاجره بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً، وقيل: بعامين، ودخل بها في شوال سنة اثنين منصرفه عليه الصلاة والسلام من غزوة بدر، وهي بنت تسع سنين، ولا أعلم في أمة محمد صلى اللهُ عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها، وهي زوجة نبينا في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ، وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ".
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ".وفي رواية الترمذي: "إِنَّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمرو ابن العاص رضي اللهُ عنه وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة أنه سأل النبي صلى اللهُ عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ"، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا". قال الذهبي رحمه الله: وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه السلام ليحب إلا طيباً، وقال: "َلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ". فَأَحَبَّ أفضل رجل من أمَّته، وأفضل امرأة من أمَّته، فمن أبغض حَبِيبَي رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً، ألا تراهم يتحرون بهداياهم يومها تقرباً إلى مرضاته.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى رضي اللهُ عنه عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِيَّاهَا". قال الذهبي:"وهذا من أعجب شيء أن تغار رضي اللهُ عنها من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلى اللهُ عليه وسلم بعائشة بمُديدة، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلى اللهُ عليه وسلم، فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي صلى اللهُ عليه وسلم، لئلا يتكدر عيشهما، ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي صلى اللهُ عليه وسلم لها وميله إليها، فرضي الله عنها وأرضاها". وقد أنزل الله براءتها بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله - بعد ما ذكر حديث الإفك -: "عُلِمَ من حديث الإفك المُشَارُ إليه أن من نَسَبَ عائشة إلى الزنا كان كافراً، وقد صرح بذلك أئمتنا وغيرهم، لأن في ذلك تكذيبًا للنصوص القرآنية، ومكذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض لأنهم ينسبونها إلى ذلك، قَاتَلَهُمُ اللهُ أنى يؤفكون". وقال الشيخ محمد بن سليمان التميمي نقلاً عن بعض أهل البيت:وأما قذفها الآن فهو كفر، وارتداد، ولا يكفي فيه الجلد؛ لأنه تكذيب لسبع عشرة آية في كتاب الله - كما مر - فيُقتل ردة، ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه، فهو من ضرب عبدالله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين. اهـ. وكان النبي صلى اللهُ عليه وسلم يحب عائشة كثيراً ولا يحب إلا طيباً، قال تعالى: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ [النور: 26]. وقد نالت رضي اللهُ عنها شرف خدمته صلى اللهُ عليه وسلم وتمريضه في آخر أيامه. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: "مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي بَيتِي وَيَوْمِي، بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ، فَنَظَرَ إِلَيهِ، فَظَنَنتُ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَاجَةً، قَالَت: فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغتُهُ، وَنَفَضْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيهِ، فَاسْتَنَّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَنًّا قَطُّ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ، فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْتُ أَدْعُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو لَهُ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ، فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، فرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وقَالَ: "الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، الرَّفِيقِ الْأَعْلَى"، يَعْنِي وَفَاضَتْ نَفْسُهُ، فَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا". قال حسان بن ثابت رضي اللهُ عنه في مدح عائشة:
إنها الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، الطاهرة العفيفة عائشة بنت أبي بكر الصديق عبدالله بن أبي قحافة القرشي التيمي وأمها أم رومان الكنانية، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث هشام عن أبيه قال: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ: وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا".
قال الذهبي رحمه الله: هاجر بعائشة أبواها، وتزوجها نبي الله قبل مهاجره بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً، وقيل: بعامين، ودخل بها في شوال سنة اثنين منصرفه عليه الصلاة والسلام من غزوة بدر، وهي بنت تسع سنين، ولا أعلم في أمة محمد صلى اللهُ عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها، وهي زوجة نبينا في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ، وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ".
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ".وفي رواية الترمذي: "إِنَّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمرو ابن العاص رضي اللهُ عنه وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة أنه سأل النبي صلى اللهُ عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ"، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا". قال الذهبي رحمه الله: وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه السلام ليحب إلا طيباً، وقال: "َلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ". فَأَحَبَّ أفضل رجل من أمَّته، وأفضل امرأة من أمَّته، فمن أبغض حَبِيبَي رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً، ألا تراهم يتحرون بهداياهم يومها تقرباً إلى مرضاته.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى رضي اللهُ عنه عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِيَّاهَا". قال الذهبي:"وهذا من أعجب شيء أن تغار رضي اللهُ عنها من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلى اللهُ عليه وسلم بعائشة بمُديدة، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلى اللهُ عليه وسلم، فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي صلى اللهُ عليه وسلم، لئلا يتكدر عيشهما، ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي صلى اللهُ عليه وسلم لها وميله إليها، فرضي الله عنها وأرضاها". وقد أنزل الله براءتها بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله - بعد ما ذكر حديث الإفك -: "عُلِمَ من حديث الإفك المُشَارُ إليه أن من نَسَبَ عائشة إلى الزنا كان كافراً، وقد صرح بذلك أئمتنا وغيرهم، لأن في ذلك تكذيبًا للنصوص القرآنية، ومكذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض لأنهم ينسبونها إلى ذلك، قَاتَلَهُمُ اللهُ أنى يؤفكون". وقال الشيخ محمد بن سليمان التميمي نقلاً عن بعض أهل البيت:وأما قذفها الآن فهو كفر، وارتداد، ولا يكفي فيه الجلد؛ لأنه تكذيب لسبع عشرة آية في كتاب الله - كما مر - فيُقتل ردة، ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه، فهو من ضرب عبدالله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين. اهـ. وكان النبي صلى اللهُ عليه وسلم يحب عائشة كثيراً ولا يحب إلا طيباً، قال تعالى: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ [النور: 26]. وقد نالت رضي اللهُ عنها شرف خدمته صلى اللهُ عليه وسلم وتمريضه في آخر أيامه. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: "مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي بَيتِي وَيَوْمِي، بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ، فَنَظَرَ إِلَيهِ، فَظَنَنتُ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَاجَةً، قَالَت: فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغتُهُ، وَنَفَضْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيهِ، فَاسْتَنَّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَنًّا قَطُّ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ، فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْتُ أَدْعُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو لَهُ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ، فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، فرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وقَالَ: "الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، الرَّفِيقِ الْأَعْلَى"، يَعْنِي وَفَاضَتْ نَفْسُهُ، فَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا". قال حسان بن ثابت رضي اللهُ عنه في مدح عائشة:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبةٍ وتُصبح غَرثَى من لُحُوم الغَوافِل عَقِيلة حَيِّ مِن لُؤَيِّ بن غَالِبٍ كِرَام المَسَاعِي مَجْدُهُم غَيرُ زَائِل مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّب اللَّهُ خَيمها وطَهَّرَها مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلٍ فَإنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الذي قَدْ زَعمتُمُ فَلا رفَعَتُ سَوْطِي إلى أَنَامِلي وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ ونُصْرَتي لآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنُ المَحَافِلِ |
وكانت رضي اللهُ عنها عالمة بأنساب العرب، وأشعارها، فقيهة، يرجع إليها كبار الصحابة ويستفتونها، قال الزهري: لو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علماً، وكانت عالمة بالطب، قال هشام بن عروة: ما رأيت أحداً أعلم بالطب من عائشة، فقلت: يا خالة: ممن تعلمت الطب، قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه.
وكانت من أكرم أهل زمانها، ولها في السخاء أخبار كثيرة، أرسل لها معاوية رضي اللهُ عنه مئة ألف درهم فما غربت شمس ذلك اليوم وعندها منه شيء[25].
وكانت شديدة التواضع، روى البخاري في صحيحه من حديث ابن أبي مليكة: "أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ قَبْلَ مَوْتِهَا وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ: ابْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتْ: ائْذَنُوا لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ، قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ، قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ، وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلَافَهُ، فَقَالَتْ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا"[26].
وقد دُفنت بالبقيع بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة وذلك في الليلة السابعة عشر من شهر رمضان بعد الوتر، فأمرت أن تُدفن من ليلتها، وقد أوصت عبدالله بن الزبير ابن أختها أسماء أن يدفنها مع صواحبها في البقيع، ونزل معها إلى القبر ولدا أختها أسماء، عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد، وعبد الله ابن أخيها عبد الرحمن، وصلى عليها أبو هريرة وكان أميراً على المدينة لمروان بن الحكم، وكان عمرها آنذاك ثلاثة وستون عاماً وبضعة أشهر.
رضي الله عن أم المؤمنين عائشة، وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
0 التعليقات :
إضغط هنا لإضافة تعليق
إرسال تعليق
Blogger Widgets