نحو ثورة على الإعلام الفاسد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فمما لا شك فيه أن وسائل الإعلام تلعب دورًا غاية في الخطورة في تشكيل الوعي الذي يكون دائمًا هو الدافع للفعل أو المثبط عنه، وقد علم ذلك جيدًا من بيدهم السلطة والقوة؛ فعملوا على ما يلي:
- الإكثار
من إنشاء وسائل الإعلام، سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة، إما عن
طريق الدولة ومواردها، أو عن طريق التسهيلات الكبيرة التي تقدمها لأصحاب
رؤوس الأموال ذوي التوجه العلماني، أو أصحاب التوجه الديني في الظاهر
والموالي للسلطات في الباطن، أو على الأقل الساكت عن انتقادها وتوجيه
الجماهير لتقويمها.
- تحسين
وتطوير تلك الوسائل الإعلامية، عن طريق ضخ الأموال المخصصة لها، وصناعة
الرموز وتنجيمهم، وتنويع المعروض؛ من أخبار وأفلام ومسلسلات ومسرحيات،
والأغاني والمسابقات والإعلانات... إلخ.
- التركيز
على الجانب الجنسي بدرجاته المختلفة؛ بداية من مجرد الظهور بالملابس
المثيرة للغرائز، مرورًا بالرقصات الخادشة للحياء، ووصولًا إلى مشاهد
القبلات والرذيلة الصريحة، تحت اسم العشق أو الحب أو غير ذلك.
- الإتيان
ببرامج دينية موالية للدولة على نفس محطات الرذيلة؛ إضفاءً للشرعية، ومن
أجل عدم ظهور تلك المحطات بصورة الشيطان المحضة، فها نحن نحب الدين وليس
بيننا وبينه أي عداء!
- تضمين
التوجهات السياسية أو الثقافية العلمانية للدولة من خلال المادة
الإعلامية، سواء كانت هذه المادة أخبارًا؛ فيذيعون أخبارًا لم تحدث؛ كقيام
جماعة ما بتفجير مكان ما، أو اغتيال شخص ما، من أجل تشويه تلك الجماعة التي
تعاديها الدولة لأنها معارضة لسياساتها الفاسدة، أو سواء كانت تلك المادة
"فنية" كفيلم أو مسلسل، يكون فيه شخص ملتحٍ ينافق المجتمع ويظهر أمامه
بصورة التقي وما هو إلا شيطان يمشي على الأرض، فيأتون به وهو يصلي مع
المصلين ثم يختفي ليسرق أموال اليتامى التي يجمعها تحت اسم الصدقات، أو
ليقوم ببعض العمليات المسلحة التي يقتل فيها غير مسلمين يصورهم الفيلم
بأنهم أسوياء السلوك حريصون على الخير.
- استغلال
وقائع حدثت بالفعل من أجل تحقيق هدف سياسي أو ثقافي؛ سواء بتضخيمها وتسليط
الضوء عليها أكثر من الطبيعي، أو اختلاق وقائع أخرى منطلقة من الواقعة
الجزئية الصغيرة، وقليل من يسألون عن التفاصيل.
هذا جزء صغير من بعض صنيع من بيده القوة أو السلطة بالإعلام؛ من أجل أهداف كثيرة قد نستطيع حصرها في هدف كبير واحد، ألا وهو تشكيل الوعي كما سبق، تشكيل الوعي بما لا يتعارض مع توجهات الدولة والسلطة، التي غالبًا ما تكون توجهات فاسدة تحتاج إلى غطاء تجميلي، تحصله الدول عن طريق الكذب في نقل الحقيقة، وتخدير الرأي العام بالتوافه المختلفة التي تلهيه عن قضايا كبيرة تحدث حوله؛ فتجد المشاهد مشغولًا للغاية بحادثة قام بها فصيل سياسي معارض للسلطة، وهي في الحقيقة لم تحدث، أو حدثت ولكن نسبها الإعلام لهذا الفصيل كذبًا، أو تراه مهتمًّا جدًّا بمباراة كرة قدم سوف تقام، أو تجده ينتظر على أحر من الجمر ما سيحدث في الحلقة الجديدة من المسلسل المفضل عنده، لا يتوقف الانشغال عند ذلك فحسب؛ بل يعقبه كلام وحوارات مكثفة حول الحادثة أو المباراة أو المسلسل، مع الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل، وبذلك تمتلئ الحياة بالتوافه وتصرف الإنسان عن الأشياء المهمة لرفعة أمته.
أما ما تقوم به السلطة من ظلم وعدوان وسرقة وتقصير وقمع، فلا تجده في وعي المشاهد أو يسيطر على تفكيره، وإن تكلم عنه قليلًا لأنه لامسه بنفسه فسرعان ما ينساه بالملهيات والتوافه الأخرى، وتعود حياته لتسير بصورة طبيعية بلا تحرك لإيقاف فساد الدولة بأي طريق متاحة.
من هنا برزت الحاجة بل الضرورة إلى ثورة على الإعلام الفاسد؛ سواء كان هذا الإعلام هو الإعلام النظامي، أو الإعلام الخاص المشارك في تزييف الوعي، وتشويه الشخصية المسلمة، بل وهدمها.
سبل مواجهة هذا الإعلام الفاسد كثيرة، ولكني أركز في هذه الأسطر القليلة على جانبين، المقاطعة، وتفعيل الإعلام البديل.
- أما المقاطعة
فتكون لوسائل الإعلام تلك على كافة الأصعدة، وتُنشر قوائم تحتويها جميعها
على مستوى كل بلد، ويكون النشر في كافة التجمعات الممكنة، من الجامعات،
والمدارس، والمساجد، وأماكن العمل، والنوادي، والفنادق، والمقاهي،
والإنترنت على المواقع المختلفة وبالبريد الإلكتروني، وغير ذلك، مع أهمية
صدور فتاوي للعلماء والمجامع الفقهية الحرة بحرمة مشاهدة تلك القائمة
المسماة بكذا، وحرمة نقل الأخبار التي تصدر عنها، وهكذا، ولتكن مثلًا
اسمها: "قائمة إعلام الفتنة"، والتي يتم تحديثها كل فترة زمنية معينة، ستة
أشهر أو عام مثلًا، وتصدر رسميًّا مختومة باسم حملة المقاطعة، ومذيلة
بتوقيعات العلماء والرموز المجتمعية الشريفة وذات التأثير.
- أما الإعلام البديل،
أو الصحافة الشعبية، أو إعلام المواطن؛ فالمقصود به: الجهود الإعلامية
التي تكون خارج سيطرة الدولة ورأس المال الفاسد؛ مثل: مواقع التواصل
الاجتماعي، أو القنوات الفضائية بترددات خارج نطاق تحكم السلطة، أو
المنشورات المحلية الورقية.
وهذه وسيلة غاية في الأهمية قامت بسببها ثورات أسقطت أنظمة مستبدة، وتم الكشف من خلالها عن قضايا فساد كثيرة متورط بها مَن بأيديهم الإعلام الرسمي، وبالتالي لا يسلطون عليها الضوء في إعلامهم؛ مما أدى إلى توقف الفساد في هذه القضايا؛ بل وساعدت تلك الوسائل في منع مجازر كان متوقعًا حدوثها؛ كتلك الفتاة المصرية التي أخرجت هاتفها مستخدمة لبرنامج يسير للبث المباشر على الإنترنت، والذي نقلته عنها مباشرة وسائل إعلام عالمية، مما جعل قوات الشرطة أمام مسجد الفتح برمسيس تتحول من ذئب إلى حمل وديع، وعاملت المحاصرين داخل المسجد بكل رفق، إلى أن غابت عن البث المباشر فأحرقت عشرات منهم داخل سيارة الترحيلات حين غابت الكاميرا!
إنجازات الإعلام البديل أكثر من أن تُحصى، بإمكانك الآن أن تسجل مقطعًا مرئيًّا تركز فيه على منكر ما بهدف إزالته، حين تنشره على الإنترنت بكل سهولة ليصبح قضية رأي عام؛ ليتم إحراج السلطة على الملأ فتتوقف عنه أو على الأقل تقلل منه.
كذلك في أي لحظة بإمكانك أن تكتب عن واقعة ما أنت شاهد عيان عليها، قبل أن تلتقطها وسائل الإعلام الرسمية فتزيفها وتحرفها.
كما تستطيع أن ترد كذب الإعلام الرسمي، وتقف له بالمرصاد وتلتقط أخطاءه؛ لتبين للناس كيف يضللهم الإعلام... إلخ.
لذلك لابد من نشر ثقافة الإعلام البديل وأهميته، كما ينبغي تدشين دورات تدريبية في مختلف المحافظات والمدن على وسائل الإعلام البديل المختلفة؛ كمواقع البث المباشر من خلال الهاتف، ومواقع التدوين المختلفة، ومواقع المرئيات.
مع التدريب على الأسس المختصرة للتصوير المرئي والثابت، والبرامج الميسرة التي تعالج تلك الصور وتحررها؛ بحذف الغير لائق مثلًا، أو الكتابة عليها، استعدادًا لنشرها على المواقع المختلفة؛ كذلك التمرين على قواعد تلقي الأخبار، وكيفية صياغتها ونشرها، وهكذا.
لم أستطع البوح بكل شيء حول هذا الموضوع المهم في هذه العجالة؛ ولكني ألقيت الضوء فقط على الخطوط العريضة له، وعلى القارئ البحث والتنقيب حول تلك الخطوط لتحصيل الإفادة الأكبر، والله الموفق.
0 التعليقات :
إضغط هنا لإضافة تعليق
إرسال تعليق
Blogger Widgets