ولا ريب أن هذا المقام جدير بالعناية، وإنما ضل من ضل وهلك من هلك بسبب إعراضه عن هذا الأصل وجهله به وعمله بخلافه، وكان المشركون قد جهلوا هذا الأمر من توحيد العبادة الذي هو الأساس الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب وخلق من أجله الثقلان ( الجن، والإنس ) وظنوا أن ما هم عليه من الشرك دين صالح وقربة يتقربون بها إلى الله مع أنه أعظم الجرائم وأكبر الذنوب، وظنوا بجهلهم وإعراضهم وتقليدهم لآبائهم ومن قبلهم من الضالين أنه دين وقربة وحق، وأنكروا على الرسل وقاتلوهم على هذا الأساس الباطل كما قال سبحانه:
فالغلو في الصالحين من البشر وفي الملائكة والأنبياء والجن والأصنام هو أصل هذا البلاء، والله بيّن على أيدي الرسل أن الواجب عبادته وحده سبحانه وأنه الإله الحق وأنه لا يجوز اتخاذ الوسائط بينه وبين عباده، بل ويجب أن يعبد وحده مباشرة من دون واسطة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب بذلك، وخلق الثقلين لذلك، قال تعالى:
وهذا المقام ـ أعني مقام التوحيد ـ دائماً وأبداً يحتاج إلى مزيد من العناية بتوجيه الناس إلى دين الله وتوحيده، وإخلاص العبادة له؛ لأن الشرك هو أعظم الذنوب وقد وقع فيه أكثر الناس قديماً وحديثاً، فالواجب بيانه للناس والتحذير منه في كل وقت وذلك بالدعوة إلى توحيد الله سبحانه والنهي عن الشرك وبيان أنواعه للناس حتى يحذروه، وقد قام خاتم الأنبياء والمرسلين محمد
وإذا كان هذا البلاء قد عمّ وطمّ ولم يسلم منه إلا القليل، فالواجب على أهل العلم أن يقدموه على غيره ـ أعني بيان التوحيد وضده ـ وأن تكون عنايتهم به أكثر من كل أنواع العلم؛ لأنه الأساس فإذا فسد هذا الأساس وخرب بالشرك بطل غيره من الأعمال، كما قال سبحانه:
وأقسام التوحيد ثلاث، بالاستقراء، والنظر والتأمل في الآيات والأحاديث وما كان عليه أهل الشرك اتضح أنها ثلاثة أقسام؛ اثنان أقرّ بهما المشركون، والثالث جحده المشركون وقام النزاع بينهم وبين الرسل في ذلك، والقتال والولاء والبراء منهم والعداوة والبغضاء.
ومن تأمل القرآن الكريم والسيرة النبوية وأحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام وأحوال الأمم عرف ذلك، وقد زاد بعضهم قسماً رابعاً سماه ( توحيد المتابعة ) يعني وجوب اتباع الرسل والتمسك بالشريعة، فليس هناك متّبع آخر غير الرسول فهو الإمام الأعظم وهو المتّبع، فلا يجوز الخروج عن شريعته، بل يجب على جميع الثقلين الجن والإنس أن يخضعوا لشريعته، وأن يسيروا على منهاجه في التوحيد، وفي جميع الأوامر والناوهي، وهذا القسم الرابع معلوم، وهو داخل في قسم توحيد العبادة، لأن الرب سبحانه أمر عباده باتباع الكتاب والسنة، وهذا هو توحيد المتابعة، وقد أجمع العلماء على وجوب اتباع الرسول والسير على منهاجه، وأنه لا يسع أحد الخروج عن شريعة موسى؛ فإن الخضر نبي مستقل على الصحيح ليس تابعاً لموسى، وقد كان الأنبياء والرسل قبل محمد كثيرين كل له شريعة كما قال الله سبحانه:
أما هذه الأمة فليس لها إلا نبي واحد وهو محمد عليه الصلاة والسلام، فالواجب على هذه الأمة من حين بعث الله نبيها محمداً وإلى يومنا هذا إلى يوم القيامة اتباع هذا النبي وحده والسير على شريعته المعلومة من كتاب الله وسنة رسوله
وقد علمنا مما سبق أن أقسام التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية وهو الإيمان بأفعال الرب سبحانه وانه فعال لما يريد، وأنه الخلاق والرزاق، وهذا القسم ما أنكره المشركون بل أقروا به، وهو يستلزم توحيد العبادة ويلزمهم بذلك، فمن كان بهذه الصفة من كونه هو الخلاق، الرزاق، المحيي، المميت ومدبر الأمور، ومصرف الأشياء وجب أن يُعبد وأن يُخضع له فإنه يقول سبحانه:
والصحابة رضوان الله عليهم وأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام كلهم مجمعون على إثبات الأسماء والصفات، وأنها حق ثابتة الله تعالى على وجه يليق به، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وأن الاستواء، والنزول والسمع والبصر والكلام وسائر الصفات كلها حق، وهكذا سائر الأسماء حق، ولهذا قال تعالى:
وكما جاء في الحديث: { اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت؛ الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [رواه الترمذي] فهو يسأل بتوحيده والإيمان به. واعتراف العبد بأنه ربه وإلهه ومعبوده الحق. وهكذا يسأل بالأعمال الصالحات، ويتوسل إليه بها فهذا كله من أسباب الإجابة كما سأله أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة وهم قوم دخلوا غاراً للمبيت فيه والاتقاء من المطر، فأنزل الله عليهم صخرة سدت الغار عليهم، فلم يستطيعوا رفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا الله بسؤالكم الله بأعمالكم الصالحة، فتوسل أحدهم ببره لوالديه، والآخر بعفته من الزنا، والثالث بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم الصخرة فخرجوا، كما صح بذلك الحديث عن النبي
ولهذا لما توفي النبي
والمقصود من هذا أن الرسول
والله سبحانه أوجب على عباده ذلك في كتابه الكريم، وعلّم الأمة ذلك أن يعبدوه وحده، ويتوجهوا إليه وحده، والرسول
وقال النبي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
0 التعليقات :
إضغط هنا لإضافة تعليق
إرسال تعليق
Blogger Widgets