16 يناير 2014

قراءة في كتاب؛ "التنبيه والرد" للملطي الشافعي



قراءة في كتاب؛ "التنبيه والرد" للملطي الشافعي




اسم الكتاب: "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع".

المؤلف: الثقة الفقيه المقرئ المتقن نزيل عسقلان محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي المقرئ.

سمع بـ "طرابلس" خيثمة بن سليمان، وأبا عمير عدي بن عبد الباقي الأذني، وغيرهم كثير.

وروى عنه؛ أبو القاسم عمر بن أحمد الواسطي، وأبو محمد إسماعيل بن رجاء العسقلاني، وغيرهم كثيرين.

قال عنه أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني: سمعت إسماعيل بن رجاء يقول: (كان أبو الحسين الملطي كثير العلم، كثير التصنيف في الفقه، وكان يتفقه للشافعي).

وفاته: مات بعسقلان سنة 377 هـ.

موضوع الكتاب: ذكر الفرق الإسلامية ومقالتهم والرد عليهم.

قيمة الكتاب: من أقدم ما أُلف في شرح أحوال الفرق، وقد حوى من الفرق ما لم يذكره باقي كتب الملل والنحل.

يتتبع فيه المؤلف الفرق - فرقة فرقة - يكشف آراءها، ويبيّن ضلالها، ويرد عليها ويناقشها بحجة قوية من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.
ينتصر فيه المؤلف لمذهب السلف، ما لا نجده في كتب الملل والنحل الأخرى.

طبعات الكتاب: الكتاب عبارة عن أربعة أجزاء، والمطبوع منه هذا الكتاب وهو الجزء الثالث، والأول والثاني مفقودان.

أهم مسائل الكتاب:

وقد ابتدأ المؤلف بذكر ما قاسى المسلمون في صدر الدعوة وكيف بدء هذا الدين، وما لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من جُهال قومه، وكيف كانت قلوب المؤمنين من التعزير والتوقير، وكيف لم يلوهم عن الحق أحد، ولم يؤثروا على الله شيئًا.

ثم قال رحمه الله بعد إيراده للقصص التي تبين عظم هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، فقال: (فأين أنت يا بطال من هؤلاء السابقين، وأين عملك من أعمالهم، وهل بقي عمل لعامل في عصرنا هذا بوقت أو لحظة من أوقاتهم وسبقهم، وإنما نالوا الشرف إلى الإسلام وبذلهم النفوس والكلَّ في الله حتى أيد الله بهم نبيه صلى الله عليه وسلم وأظهر بهم دينه، وأعلى بهم الحق وأظهر بهم الصدق، فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره أم كيف يجترئ على سبهم من يزعم أنه مسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم... الآية} [الحشر: 8]، فالله... الله في نفسك، انتبه ودع ما يريبك لما لا يريبك، ولا تتبع هواك فليس على وجه الأرض شخص يعدل عن السنة والجماعة والألفة إلا كان متبعًا لهواه، ناقصًا عقله، خارجًا عن العلم والتعارف، فالزم الحق ترشد إن شاء الله) اهـ.

ثم شرح أصول السنة، فقال: (الذي ثبت عن محمد بن عكاشة؛ أن أصول السنة مما اجتمع عليه الفقهاء والعلماء، منهم علي بن عاصم وسفيان بن عيينة ومحمد بن يوسف الفريابي ويحيى بن يحيى وسعيد بن سعيد القطان).

ثم قال: (كلهم يقولون؛ رأينا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون...)، وأخذ يسرد هذه الأصول... منها:

  • الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والإيمان بالقدر خيره وشره.
  • والجهاد مع أهل القبلة، والصلاة على من مات من أهل القبلة.
  • والإيمان يزيد وينقص.
  • والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم من عدل أو جور.
  • والكف عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

    ثم أخذ يشرح أحوال ثماني عشرة فرقة من الشيعة الروافض؛ منهم الفرقة الثالثة عشرة من الإمامية، فقال عنهم: (هم الإسماعيلية، يتبرءون ويتولون، ويقولون بكفر من خالف عليًا، ويقولون بإمامة الإثني عشر، ويصلون الخمس، ويظهرون التنسك والتأله والتهجد، والورع، ولهم سَجَّادات وصفرة في الوجوه وعمش في أعينهم من طول البكاء والتأوه على المقتول بكربلاء؛ الحسين بن علي ورهطه، ويدفعون زكاتهم وصدقاتهم إلى أئمتهم، ويتحنون بالحناء، ويلبسون خواتيمهم في أيمانهم، ويشمرون قمصهم وأرديتهم كما تصنع اليهود، ويَتَحَذَّوْن بالنعال الصفر، وينوحون على الحسين، واعتقادهم العدل، والتوحيد، والوعيد، وإحباط الحسنات مع السيئات، ويكبرون على جنائزهم خمسًا، ويأمرون بزيارة قبور السادة).

    ثم انتقل إلى ذكر المعتزلة، فشرح الأصول الخمسة المعتبرة عندهم وترجم لكثير من شيوخهم بتوسع، وأفاض في بيان وجوه الخلاف بين معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد، حتى ذكر عشرين فرقة من المعتزلة، فقال: (واعلم أن للمعتزلة من الكلام ما لا أستجيز ذكره لأنهم قد خرجوا عن أصول الإسلام إلى فروع الكفر. وقال هشام – منهم - ؛ "لا أقول إن الله شيء، ولكن هو منشئ الأشياء"، وكيف تدبرت قولهم عرفت جهلهم ووسواسهم، وهَوَ سَهم لأنهم يختلفون في الأجساد والأرواح من الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، ولا يدعون ذكر بهيمة ولا طائر ولا شيء خلقه الله عز وجل إلا تكلموا عليه، ووضعوا قياسًا، ثم عدلوا عن ذلك كله، فلم يرضوا به، وهم لا يعلمون، فقالت طائفة بظاهر التنزيل، ورد المتشابه إلى المحكم وبينهم في ذلك خلاف ومنازعات وأشياء تخرج إلى الكفر والتعطيل والتخليط).

    ثم قال ناصحًا: (والذي عندي من ذلك؛ أن تلزم المنهج المستقيم وما نزل به التنزيل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما مضى عليه السلف الصالح فعليك بالسنة والجماعة ترشد إن شاء الله).

    ثم ذكر المرجئة من غير خوض في أصول هذه الطائفة.

    ثم ذكر الخوارج وبيّن بعض فرقها، فقال: (و "الشراة" كلهم - يقصد الخوارج - يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم، مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم).

    ثم قال: (ويقال لهم؛ قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع الأمة لا يختلف فيه ناقل ولا راوٍ أنه سماكم مارقة، وأخبر عنكم وذكركم أنكم كلاب أهل النار، فقيل: "يا رسول الله، ما معنى مارقة؟"، قال: "يمرقُون من الدين كما يمرق السهم من الرميِّة"، يعني يخرجون من الدين، وأنتم بإجماع الأمة مارقون خارجون من دين الله لا اختلاف بين الأمة في ذلك، مع أن أفعالكم من إهراق دماء المسلمين وتكفيركم السلف والخلف، واستحلالكم لما حرم الله عليكم ظاهرة شاهدة عليكم بأنكم خارجون من الدين داخلون في البغي والفسوق، ومنهم فرق تبلغ بهم أعمالهم وأقاويلهم الكفر، سنذكر إذا أتينا على ذكرهم إن شاء الله)، وأخذ يذكرهم فرقة فرقة.

    ثم ذكر متشابه القرآن وما يتمسك به بعض أهل الزيغ من الآيات وزعمهم وجود تناقض بينهم، فأجاد الجواب عن تشكيكاتهم.

    ثم ذكر المؤلف رحمه الله؛ الجماعة، وأسدى نصحًا في الدين، وسرد الأحاديث التي تحض على التمسك بالكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع والتنطع والتكلف في الدين.

    ثم سرد الفرق عودًا على بدء، فذكر الزنادقة على خمس فرق، وهم؛ المعطلة، والمانوية، والمزدكية، والعبدكية، وصنوف الروحانين.

    وذكر الجهمية على ثماني فرق، وتوسع في الرد عليهم وعلى شبههم، منها قوله: (وأنكروا الشفاعة؛ أن يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من أمته، وأن يخرج الناس من النار بعدما دخلوا، وأنكروا عذاب القبر، ومنكرًا ونكيرًا، وزعموا أن الروح تموت كما يموت البدن، وأن ليس عند الله أرواح ترزق لا شهداء ولا غيرهم، وأنكروا الإسراء أن يكون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أُسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأنكروا الرؤيا، وزعموا أنها أضغاث أحلام، وأنكروا أن يكون ملك الموت يقبض الأرواح، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا).

    ثم قال: (وهذا جماع كلام الجهمية، وإنما سُمُّوا "جهمية"، لأن الجهم بن صفوان كان أول من اشتق هذا الكلام من كلام السمنية، صنف من العجم بناحية خراسان، وكانوا شكَّكُوه في دينه حتى ترك الصلاة أربعين يومًا، وقال: "لا أُصلي لمن لا أعرفه"، ثم اشتق هذا الكلام، وبنى عليه من بعده)، وأخذ يرد عليهم بتوسع.

    ثم ذكر القدرية على سبع فرق والمرجئة والروافض، ثم ختم كتابه بذكر الخوارج وهم خمس وعشرون فرقة.

    عصمنا الله من الزلل والزيغ والفُرْقة.
  • 0 التعليقات :

    إضغط هنا لإضافة تعليق

    إرسال تعليق

    Blogger Widgets