13 يناير 2014

أمة القرآن من الغثاء إلى التمكين



أمة القرآن
 من الغثاء إلى التمكين - الجزء الأول -



تأليف: محمد ياسين
 - تمهيد
1) مقدمة
1) الوضع
2) أصل المشكل
3) آفاق الحل
2) المبادرة الحركية للإصلاح
1) معالم التصور الحركي
 - القرآن
 - الإنسان - في الجزء الثاني -
 - الواقع - في الجزء الثاني -
2) المنهج الحركي
1) الهدف
2) الطريقة
3) التعامل مع المرجع
 - مقدمة
 - الخلفية 1: الخلقية
 - الخلفية 2: السلوكية
 - الخلفية 3: التربوية
 - الخلفية 4: العلمية العملية
 - الخلفية 5: المنهجية
3) البرنامج العام - في الجزء الثاني -
4) دليل القرآن - في الجزء الثاني -


تمهيد:
يطرح الموضوع قضية تمس صميم الأمة ليحاول أن يعالج وضعها المأساوي ويقترح مبادرة إصلاح تنبع من المقومات الأصيلة فيها. فبادئ ذي بدأ يعبر العنوان عن مجموعة مهمة من المعاني:
يحمل مصطلح الأمة ثلاثة معالم مهمة بالنسبة للمسلمين فهي أولا تعتبر الهوية الجماعية للمسلمين بغض النظر عن انتمائهم العرقي والجغرافي وثانيا القضية التي يجب أن يتبنوها جميعهم ليحققوها على أرض الواقع وأخيرا الهم الذي يجب أن يحملوه بصدق وجدية وسيما أن عرضها ينتهك بشكل سفير.
وخصوصية أمتنا الإسلامية أنها تستقي مقوماتها الوجودية والحضارية من الوحي أي من القرآن فهي مرتبة به ارتباطا حيويا ومصييا.
ومن المحزن أنها مع ذلك تعيش في أيامنا هذه حالة غُثائية شكلا ومضمونا، شكلا لأن السيل الذي تطف عليه يمشي بها حيث يشاء لفقدانها لأي ثقل حضاري، ومضمونا لأن الغثاء في حقيقته لا نفع فيه ولا خير يرجى من ورائه، وهتين الحقيقتين المرتين تَصْدُقُ و للأسف الشديد على شريحة واسعة من أمتنا الإسلامية.
وحتى يتأتى تفعيل القرآن في الواقع النفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي للأمة، يهدف هذا الموضوع إلى طرح منهجية استنباط المقتضيات الحركية من القرآن الكريم من خلال قراءة لأصول الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام, ليصبح كيان الأمة وروح القرآن كيانا واحدا موحدا محفوظا من الشر وعلى صراط مستقيم.
1) المقدمة:
1) الوضع:
لقد تمكن محور الشر العالمي من اختراق كيان الأمة المتماسك بعرى الحق بعد أن أفرغتها من مضمونها وتخلت عنها وضيقت من حجمها الفعلي المناط بها في الواقع واختزلت تراثها الديني في الالتزام الشكلي الخارجي مما مكن لعدوها من تفكيكها والفصل بين مقومتها العقدية والمنهجية فصار القرآن مثلا وهو المقوم العقدي والمنهجي الأول لا يتجاوز الحناجر التي تتألق في إخراجه ولا أبواب المساجد المكدسة بالمصاحف وإذا تجاوزهما فلِيُتزين به في البيوت والسيارات وليُتبرك به في الحفلات والافتتاحيات وفي أحسن الأحوال ليتم حفظه عن ظهر قلب لينتقل من المصاحف المكتوبة إلى المصاحف المتنقلة المشائية الببغائية فقط، وبطبيعة الحال حتى هذا لا يتم إلا بعد أن يأذن طاغوت العصر.
كما صار المسلم المعاصر صاحب الرسالة الإنسانية السامية وصاحب القضية العادلة نموذجا للإنسان البيولوجي وللمواطن الصالح على النمط الغربي ثقافةً وسلوكاً (ثقافة الموضة والإستهلاك) بعد أن اقتفى منهج غيره ليتحضر فانسلخ من هويته فلا هو تحضر لأن المنهج الذي نسخه عن غيره يبقى نسخة بما يعتريها من التشويه في الأصل ومن التعسف في عملية النسخ وأنه في أي الأحوال لا يصلح له لأن له هوية متجدرة في وجدانه الفطري/الإسلام ومتأصلة في تاريخه الحضاري/الرسالة الإنسانية ومرتبطة مصيريا بقضيته العادلة/القدس، ولا هو حافظ عن هويته. والأخطر من ذلك أنه حاول التوفيق بين المنهج الذي تقتضيه عقيدته ومنهج غيره ليجمع بين الضدين مخترقا بذلك جميع القوانين فلم يُوفق فلم يعد ينتمي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
وبين هذا وذاك، قام المصلحون في ردة فعل عفوية بجملة من المبادرات الإصلاحية تشوبها الأطروحات الفكرية الطبوية والتوجيهات النصية الجافة والمواعظ الروحية المؤقتة والدعوات الحماسية المنفعلة والبرامج الفعلية الناقصة والمناهج التربوية السطحية, ولازالت الأمة تتخبط في هذيانها ويسوسها أنصار المحور الشر العالمي ليسقط في عراك شباكها بعض المخلصين الذين يقدمون كقرابين للإله الطاغوتي.
وتستمر الحكاية...في حلقة مفرغة.
2) أصل المشكل:
باختصار شديد يمكن تحديد أزمة الأمة في ثلاثة عناصر:
العنصر الإيديولوجي:
 - تقليص حجم القرآن من جميع مجالات الحياة أي في الجانب النفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي... كمنبع للتربية على العقيدة وكمرجع للتصور والتأصيل وكمدرسة للتربية على الحق وتعليم معالمه وكمنهاج للتغيير والإصلاح.
 - تقديس المصحف وليس القرآن، مما أفرز ثقافة الشكل.
 - التعامل مع القرآن - في أحسن الأحوال - على أساس علمي تعبدي فقط وليس على خلفية حركية واقعية وتربوية عملية.
العنصر البشري:
فيما يخص هذا العنصر فله جانبان:
الجانب الأول يرتبط بالتدين:
 - انقطاع الارتباط بالعروة الوثقى مفتاح النجاة في الدنيا والآخرة، والتي أساسها الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وتقديم الدين بشكل الروحي اللاهوتي الإنساني والإجتماعي.
 - تمييع المفاهيم الأصيلة في الدين وخلط الحق بالباطل أفقد الارتباط الأصيل به فصار التدين سطحيا، والمنهاج عفويا.
 - انعدم الشجاعة على اتخاذ مواقف عقدية واضحة وثابتة أربك المبادرات الإصلاحية وجعلها تدور في حلقات مفرغة.
 - الإسراف في التخمة الفكرية فصار العلم من أجل العلم.
 - فقدان المنهجية العملية الأصيلة في الدين واتهامها بالأصولية الرجعية.
الجانب الثاني يرتبط بالأمة:
 - التخلي عن الأمة كهوية وتعويضها بانتماءات عرقية قومية والتخلي عنها كقضية وتعويضها بقضايا ذاتية محلية والتخلي عنها كهم وتعويضها باهتمامات دنيوية ولهوية.
 - تلاشي اللحمة الذاتية الداخلية بين أفراد الأمة.
 - إفراغ وجدان الأمة من عقيدة الولاء للحق والبراء من الباطل وتعويضها بمفاهيم كفرية أو - في أحسن الأحوال - بمفاهيم سطحية أو مزورة بحجة التقية السياسية والمصالح الاقتصادية والفرجة النفسية.
- الهروب من المسؤولية الفردية والجماعية اتجاه الأمة بحجج انهزامية وذاتية وغرائزية تقوم على تصدير الأزمة للآخر والبحث عن الخلاص الذاتي والتنقيب عن المصالح الدنيوية.
- انعدام الاستعداد لتضحية بحجة غياب القضية التي تستحق ذلك المجهود، أو غياب الإيطار والرجال.
الواقع:
- اختزال الأزمة في بعض العناصر وفي بعض الجوانب واتخاذ حلول قاصرة.
- غياب النظرة الشمولية والعميقة لطرح الأزمة في ايطارها الحقيقي وبجميع أبعادها.
- انعدام الرؤية الاستراتجية والبرامج الواقعية لإصلاح واقع الأمة.
- عزوف عن اتخاد الإجراءات العملية والوقائية الفعليتين لتحقيق المقتضيات الإيمانية ولترجمة القناعات إلى سلوك منهجي على أرض الواقع.
فالمشكل إذن هو مشكل منهجي يكمن في عدم التوفيق بين المرجع الإديولوجي والعنصر البشري والحياة الواقية.
3) آفاق الحل:
تتمحور آفاق الحل حول كيفية إعطاء ديناميكية حية وحركية فاعلة للقرآن على أرض الواقع، لذلك علينا:
- أولا: أن نعيد النظر في التعامل مع القرآن ليكون منبعا لتربيتنا عليه فنسقي منه الحق ومنهاج تحيقه في حياتنا.
- ثانيا: أن نعيد تربية أنفسنا في ظل القرآن لتتقبل ذلك الحق وتتفاعل تلقائيا معه وتسلم تسليما تاما به ونحصن أنفسنا ضده،
- وأخيرا: نعيد النظر في تعاملنا مع الواقع بأخذ جميع الإجراءات التأسيسية والعملية والوقائية أي من البناء الذاتي على المنهج الإصلاحي التغييري وانتهاءا بالبناء الجماعي الموحد مرورا في كل مرحلة بالوقاية الداخلية/التحصين والخارجية/الأمن.
2) المبادرة الحركية للإصلاح:
1) معالم التصور الحركي:
قبل الحديث عن المنهج الحركي لإحياء الأمة انطلاقا من القرآن، لابد من تحديد معالم التصور الحركي الثلاث وهي: القرآن، الإنسان والواقع. قال تعالى: (الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن:9). في جو تتخلله نسمات الرحمة الإلاهية السائدة والسائرة في المخلوقات وعبرات الإنسجام بين القوانين التي تضبطها وثوابت الحق الذي يحددها وشمول العدل فيها وضمانات الاستقرار من خلالها، تعبر هذه الآيات عن وحدة المنظومة التشريعية التي تضبط الكون والإنسان وخصائصها. فبما أن للكون قانونه يوفر له التوازن ويضمن له الثبات ويحقق فيه الإنسجام، كذلك جعل سبحانه للإنسان الذي هو جزء لا يتجزء من الكون قانونا لينسجم مع أصله الذاتي والكوني فيحقق العدل ويضمن السلام.
1) القرآن:
يعتبر القرآن دستور الله للبشرية لكي تقوم بالعدل الإلاهي في مملكته الأرض فتعيش في سلام مع فطرتها وانسجام مع الكون. وبما أن الكون كله خاضع للميزان الإلاهي، ولكي يتحقق التوازن الشامل، على الإنسان أن يستمر ويمشي على النهج الكوني فيتبع بدوره الميزان الذي وُضِعَ له، وإلا فإنه لن يعتبر طاغوتا طغى عن القانون الإلاهي الشامل فحسب بل سيحدث خللا في التوازن الكوني بكامله، قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:71)، وقال أيضا: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).
إذن، إذا كان الهدف من القرآن هو تحقيق التوازن الكوني الشامل عبر الإنسان، ما هي خصائصه الذاتية وميزاته الموضوعية؟
ميزاته الموضوعية:
 - التكريم:
بداية، يعت
بر القرآن تكريما منه عز وجل لذلك المخلوق الذي أصل خلقته علقة مذمومة، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5).
ومن الإيحاآت التي توحي بها خلقته/العلقة وعلاقتها بالقرآن أن العلقة مرتبطة كونيا بالرحم ارتباطا حيويا ومصيريا، فمنه تتغدى وفي حماه تعيش ومن خلاله تخرج للوجود بعد أن تتشبع ويكتمل بناءها وتستكمل مقوماتها الذاتية لتستعد لوضيفتها بل تعتبر سلامة نضجاها رهينة بسلامة ذلك الإرتباط. كذلك، وحين تشتد الأحوال وتشق الأتعاب ويتخلى الأصحاب فلا أرحم من حنان الأم وعطفها لذلك قال عليه الصلاة والسلام أمك ثم أمك ثم أمك فالأم هي الأولى بالصحبة، كذلك يجب أن تكون العلاقة مع القرآن.
من هنا، فإن كرامة الإنسان الكونية رهينة بمدى تشبته بالقرآن كمنهاج لحياته، لأن عبره يحقق حقيقة كينونيته ألا وهي الإنسانية، وإلا فسيعتبر مذموما وذى قيمة دانية أقل من الأنعام مهما تقدم علميا وحضاريا، وفي هذا صدد:
قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة:5)، وقال أيضا: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (المدثر:51)، وقال تعالى أيضا: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان:44)، وقال تعالى أيضا: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179)، وقال تعالى أيضا: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)(محمد: من الآية12)، وقال تعالى أيضا: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:176).
 - الرحمة:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (لأعراف:204) .
 - الهدى:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة: من الآية185)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى)(التوبة: من الآية33)، (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى)(لنجم: من الآية23)، (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى)(الجـن: من الآية13).
خصائصه الذاتية:
 - العظمة:
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21) (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (الرعد: من الآية31)، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82)
- الفرقان:
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة: من الآية185).
لذلك يمثل القرآن في الوقت نفسه أطهر زاوية للذكر، و أرفع مدرسة للتربية، و أقوى معسكر لتجنيد.
2) المنهج الحركي:
1) الهدف:
يهدف المنهج الحركي إلى تفعيل المقومات الإسلامية الأصيلة المستقاة من القرآن في الكينونة الإنسانية والدفع بها لتحقيق المقتضيات الفعلية للقرآن على أرض الواقع، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد:25) فدور الناس/الإنسان وواجبهم هو القيام بالقسط الذي هو المقتضى الفعلي للميزان الإلاهي/القرآن وتحقيقه عمليا في واقعهم.
2) الطريقة:
لتحقيق ذلك هناك ثلاثة تحديات:
1) التعامل مع المرجع:
- استنباط الحقائق التصورية للوجود من خلال القرآن وتشكيل منضومة عقدية واضحة وشاملة.
- استنباط جميع المقتضيات الشرعية من خلال تلك المنظومة بغض النظر عن قدرة تحقيقها.
2) التعامل مع الكينونة الإنسانية:
- العمل على إزالة جميع المعوقات التى تحول دون التفاعل الإيجابي مع القرآن والتحقيق العملي لمقتضياته.
- العمل على ترسيخ المنظومة العقدية في الوجدان وترجمت القناعات الفكرية والمنهجية إلى سلوك.
3) التعامل مع الواقع:
- تقييم الواقع في ظل الخريطة العقدية، واتخاذ المواقف العملية المستنبطة من خلالها.
- التعامل مع الواقع بمناهج الإصلاح والتغيير المشروعة مع اتخاذ جميع الإجرآت التمكينية والوقاية.
3) التعامل مع المرجع
- مقدمة:
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصف دقيق وشامل وبعبارة بالغة تحمل في طيها معاني كثيرة وسامية، قالت رضوان الله عليها كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، وهو وصف شامل لكيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الوقت نفسه عميق يدقق في كل المكونات لشخصه صلى الله عليه وسلم. وحتى يتأتى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون خلقها (النفسي، السلوكي، الثقافي، السياسي) القرآن، لابد من أن تتعامل معه وفق الخلفيات التالية:
- الخلفية الخلقية
يمثل القرآن المقوم الأول للأمة إذ به تأسست أول مرة وعليه حققت حضارتنا الإسلامية وعليه يُراد لها أن تتأسس مرة أخرى إن أرادت أن تعيد مجدها الحضارى الذي أصبح حاجة واقعية وضرورة شرعية وحتمية قدرية. ويكمن السر في قدرة القرآن على ذلك في أمرين إثنين: الأول ذاتي للقرآن والثاني لمفعوله على الفئة الصادقة والصابرة والموقنة.
أما الأول فإن القرآن كلام الله وبالتالي فهو يتصف بـ:
التنـزيه: لأن الله سبحانه وتعالى منـزه فكلامه منـزه كذلك، قال تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42)، وعليه يجب الإرتياح له الراحة النفسية التامة، وأما منهجيا فيجب الإرتباط به ارتباطا حيويا لإستيقاء الدين الخالص والمنهج النافع منه.
الحكمة: تتجلى الحكمة في قصصه وأحكامه وأسلوبه ومنهاجه ومن تم يجب الثقة به الثقة النفسية التامة بفقه الحكمة أو بدون وأما منهجيا فيجب تدبره لفهم أبعاد الحكمة.
الحق: القرآن لسان الحق وبرهانه قال تعالى:(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)(يونس:108)، وقال أيضا:(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)(الكهف:29)، ولسان الحقيقة وشاهد عليها قال تعالى:(وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)(هود:120)، والحجة البالغة الظاهرة وقال تعالى:(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ)(الأنعام:149).
ومن تم يجب الإعتزاز به العزة الكاملة وأما منهجيا فيجب الإرتباط به ارتباطا مصيريا لتحقيق الحق الذي يمثله على أرض الواقع، ومن هنا تتحدد أول خلفية يجب أن نُقْبِلَ بها على القرآن ألا وهي الخلفية الخلقية وتعني:
1) الارتياح له راحة تامة كونه منـزه قال تعالى:(مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طـه:2)، وقال أيضا:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الاسراء:82)، وقال أيضا:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(الحج:78)، والإرتباط به ارتباطا حيويا لإستيقاء الدين الخاص والمنهج النافع منه قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر:3).
2) الثقة به ثقة تامة كونه الحكمة البالغة، قال تعالى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران:7)، وتدبره لفهم أبعاد الحكمة، قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82).
3) الاعتزاز به كل الإعتزاز كونه الحق والإرتباط به ارتباطا مصيريا لتحقيق الحق الذي يمثله على أرض الواقع.
وقال تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ،إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ،أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) .
وعليه، تقتضي هذه الخلفية:
1) تقديم القرآن على النفس لأنه منزه أما النفس فمجال التدافع بين الهوى واليقين، (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:71) (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58).
2) تقديمه على الفهم لأنه الحكمة أما الفهم فمجال التدافع بين الصواب والخطء (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل:74)، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية216).
3) تقديمه على الواقع لأنه الحق أما الواقع فمجال التدافع بين الحق والباطل.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).
الخلفية السلوكية :
تحدد هذه الخلفية السلوك الواجب اتخاذه اتجاه كتاب الله الصادق. بالفعل، فكلام الله تعالى الصدق بعينه قال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر:33)، وقال سبحانه أيضا:(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) (الزمر:32)، وليس هذا فحسب بل هو الصدق من عند الصادق قال تعالى:(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)(النساء: من الآية87)، وقال سبحانه أيضا: (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(فاطر: من الآية14)، لذلك يجب تصديقه تصديقا تاما وكاملا وأما منهجيا فيجب الإقبال عليه بصدق أي بفتح قنوات النفس بالصدق لتستقبل نور القرآن وفي هذا الصدد قال سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23). ومن جهة أخرى، وبما أن المبتغي الاول والاخير من القرآن هو الإصلاح قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(الاسراء: من الآية9) وقال أيضا: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة: من الآية185)، وقال سبحانه كذلك: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) (التوبة:33)، فيجب الإقبال عليه بإخلاص النية لهدف الإصلاح الشامل والدقيق للوضع الذاتي والفعلي للأمة ليتم التفاعل التلقائي والصادق مع كلام الله قال تعالى: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً)(النساء: من الآية35).
ومن هنا تتحدد الخلفية السلوكية التى يجب أن نُقْبِلَ بها على القرآن وهي تعني:
- أن التفاعل مع القرآن رهين بمدى الصدق الذاتي مع النفس وبمدى الصدق المنهجي مع القرآن أي بمدى صدق النية والعمل.
- أما فاعلية القرآن في الواقع فرهينة بداية وقبل كل شيئ بمدى إخلاص النية بغية إصلاح الواقع بالقرآن.
وعليه، تقتضي هذه الخلفية:
1) على المستوى الذاتي يجب الرفع من مستوى النضج النفسي بـ:
1) الصراحة التامة مع النفس في تقييم التطور الذاتي وتحديد نقاط الضعف السلبية الواجب استئصالها.
2) الشجاعة الكافية لمراجعة النفس والإعتراف بالخطئ وتقويم السلوك الذاتي لتطويعها للحق، قال تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (التوبة:102)، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الزمر:17) قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135).
2) على المستوى المنهجي يجب الرفع من مستوى الوعي:
1) الموضوعية تامة في طرح القضايا، والتجرد الخالص في مناقشتها، وتسمية الأمور بمسمياتها، والإنتصار للحق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)(النساء: من الآية135)، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر) .
2) الصرامة المنهجية في تقييم الأوضاع واتخاذ المواقف ومعالجة الأحوال.
قال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (عبس:3) قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التحريم:1) قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65) .
الخلفية التربوية :
يمثل القرآن مدرسة للتربية على الحق وتعليم معالـمه، وتعتبر التربية الإسلامية الحركية المنهج الذي يفعل القرآن في جميع عناصر الكينونة الإنسانيية (النفس، العقل، الروح، الضمير، الجسم) ليكتسبها المقومات الإسلامية الأصيلة ويبنيها البناء الإسلامي الحركي السليم ويعدها لوضيفتها الحضارية. لذلك تسعى التربية الإسلامية الحركية لرفع من مستوى الوعي لذى المسلم ونضجه النفسي وحسه الضميري وعلوه الروحي لينتقل بعد ذلك من الحالة الغثائية التي يتخبط فيها إلى مسلم القضية الإسلامية الذي يتفاعل معها ويحمل همها ويسعي لخدتها. ويسري هذا النهج التربوي عمليا باستنباط المقومات الإسلامية الأصيلة من القرآن وترسيخها في كيان المسلم في ظل القرآن. ونعني بالمقومات الأصلية الإسلامية ما يلي:
أ) استقراء من القرآن الثوابت العقدية والفكرية والمنهجية:
1) الثوابت العقدية نعني بها:
- أركان الإيمان (الإيمان بالله، الرسل، الملائكة، الكتب، اليوم الآخر، القدر)، التي تحدد معالم الهوية الإسلامية.
- معالم التوحيد (توحيد الإثبات والمعرفة/الربوبية، توحيد القصد والطلب/الألوهية)، التى تثبت النفس داخل منضموة عقدية واضحة من جهة وتحدد الخريطة العقدية للأمم (الكفر، الشرك، النفاق، الفسق...بأنواعهم) من جهة أخرى.
- معالم العروة الوثقى (الكفر بالطاغوت والإيمان بالله) التي تحدد أسس الإرتباط بالحق.
- عقيدة الولاء والبراء (التحقيق الفعلي للا إله إلا الله) التى تحدد ضوابط التفاعل الإنساني.
وتهدف هذه الثوابت إلى إفراز المسلم الموحد توحيدا خالصا نابعا من القرآن الذي هو كلام الله الواحد الصمد بعيدا عن التعريفات الفقهية الباردة لعلم التوحيد (التي قد يستعان بها لتحديد المفاهيم ولكن لاتمثل مرجعا لتشرب التوحيد)، إذ من القرآن يمكن تلمس الحقائق التوحيدية بأسلوب مؤثر في النفس ومعايشة الأبعاد التربوية الخالصة في جو روحي. إن القلب الذي تجلى له التوحيد وأحاط به من كل جانب سيحب ويوالى الحق وأهله بدرجة موالاتهم للحق وسيبغض الباطل وأهله بدرجة موالاتهم للباطل، وستكون عقيدته هذه خالصة وسليمة بدرجة ما تكون تلقائية. ولتكون كذلك عليه أن يتبنى مواقف القرآن في الحق والباطل بنفس الدرجة والحرارة.
ويتأتى هذا الإستقراء من خلال تتبع الآيات القرآنية والسنن الكونية المعروضة في السور ولا سيما في المكية منها.
2) الثوابت المنهجية نعني بها:
تحديد المناهج الفعلية لتنظيم العمل الحركي وتفعيله على أرض الواقع ووقايته داخليا وخارجيا:
1) مناهج التنظيمية:
قال تعالى: (اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28).
تهدف هذه المناهج إلى ضبط العمل الحركي على أرض الواقع في ايطار منظم، لذلك لا بد من:
1) على مستوى الذاتي:بناء النفس بنية مجندة ووضعها في حالة استنفار مستمر، قال تعالى:(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)(النساء: من الآية84).
2) على المستوى الجماعي:تحديد شروط للإمارة، وضوابط السمع والطاعة...، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء: من الآية59).
2) مناهج التفعيل:
وهي على مستويين أفقي/المجتمع و عمودي/الساسة.
1) العمل على الإصلاح الأفقي على المستوى المجتمع بالدعوة والإستقطاب (أساليب الترغيب والترهيب والخطابات دعوية التوعوية حسب الموقف والمدعو واعطاء القدوة الحسنة والمثل الإعلى وحسن التعامل...)، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) .
2) التغيير العمودي على المستوى السياسي بالجهاد، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: من الآية76)، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (لأنفال:39) .
3) مناهج الوقائية:
1) التحصين الخلقي: تطوير الأخلاق الإسلامية السامية كالزهد، الورع، التعفف، الصبر...
قال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ - وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:112).
2) السلوك الأمني: تطوير الثقافة الأمنية والسلوك الأمني وآلياته...
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (النساء:71) قال تعالى: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (الكهف:الآية19).
أما الثوابت المنهجية فهي تهدف إلى بناء المسلم الحركي بناء الجندي المتسم بأسمى الأخلاق الإسلامية والمجتهد في خدمة قضيته اجتهاد دئوبا لا ينقطع بفعل الهزات وبما يناسب واجبه من جهة وقدراته من جهة ثانية وملابسات المرحلة زمانا ومكانا من جهة ثالثة والمستعد الإستعداد التام للتضحية من أجلها والواعي بجميع ملابسات الساحة التي يتحرك فيها.
ويتأتى ذلك من خلال تتبع الآيات والسنن القدرية والشرعية المعروضة في الآيات القرآنية ولا سيما في السور المدنية.
3) الثوابت الفكرية نعني بها:
طرح تصور شامل لخريطة الصراع و منضومة السنن القدرية التي تضبط كل من طرافي التدافع الحضاري، وتهدف هذه الثوابت إلى:
 - اكتساب الآليات ومكنزمات التحليل الإسلامي للتاريخ وللسياسة عبر فهم الضوابط الثابتة التى تحكم مجرى التاريخ.
 - العمل بها عند تحديد السياسات العملية.
 - توضيحها واليقين بها للثبات عند المحك.
ويتأتى ذلك من خلال تتبع القصص القرآنية لفهم السنن القدرية التي تضبط الصراع بين الحق والباطل.
ب) ترسيخ القناعات العقدية والفكرية والمنهجية في الوجدان من علم اليقين/العقل إلى حق اليقين/الوجدان.
وهذه الخلفية تقتضي استحضارة الأحوال العامة وأسباب النزول والأجواء الإيمانية والنفسية والإجتماعية والسياسية والأمنية للسورة المراد تفسيرها والتربية في ظلها، واستكشاف الآفاق التربوية واستنباط المقتضيات العقدية والمنهجية من خلالها.
الخلفية العلمية العملية:
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله لهم يتعلمون القرآن ولا يستكثرون منه حتى يتأتى لهم تحقيق ما تعلموه منه على أرض الواقع.
قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:18) "يستمعون" بمعنى يتعلمون.
"فيتبعون" بمعنى يعملون بمقتضي ما تعلموه، وحرف الفاء بمعنى الإسراع في تجسيد المقتضى عمليا، "أحسنه" بمعنى يعملون بأحسن تأويل له الذي يراعي واقعهم.
ومن هنا تتحدد الخلفية العلمية العملية التى يجب أن نُقْبِلَ بها على القرآن وهي على مستويين:
على المستوى النظري:
- الإقبال على القرآن من أجل العلم النافع والعمل الصالح.
- الإهتمام بالقضايا التى اهتم بها القرآن وبنفس الدرجة كما وكيفا (عقيدة التوحيد ومنهج الإصلاح الدعوة والتغيير/الجهاد).
- استنباط المقتضيات العقدية و المنهجية.
على المستوى العملى:
- اتخاذ المواقف العقدية الثابتة والواضحة التى اتخذها القرآن في قضية من القضايا وبنفس الدرجة والحدة.
- ترجمة القناعات إلى سلوك عملي يعبر عن الثوابت والمبادئ.
- وزن النضج النفسي والإيماني والأداء الفعلي بالنسبة لتلك المقتضيات.
- طرح برامج عملية في زمن محدد لتعديل الوضع العام.
- المتابعة لنضج النفسي والوعيي والمراقبة تطور السلوك الحركي والمسائلة للأداء الواقعي.
- والتعود على الإدلاء بالتقارير فيما يخص الأداء العام بصراحة ووضوح ودقة.
وهذه الخلفية تقتضي وجود خلية عمل حركي منظمة لها برامج مسطرة تستجيب لحاجيات الأطراف.
الخلفية المنهجية:
لأن النفس البشرية تندرج تحت منضومة المخلوقات الإلاهية فإنها تخدع لنفس القوانين الكونية للتفاعل والتطور كغيرها من المكونات الأخرى للناموس الإلاهي.
قانون التفاعل: لذلك فإنها - أي نفس البشرية - تحتاج إلى ما يسمى إلى (زمن الإستجابة) حتى تتفاعل مع قضية موضوعية خارجة عن ذاتها، كما أن ما أسيميناه بـ(زمن الإستجابة) يختلف حسب المعطيات الذاتية/حقيقة النفس و المعطيات الموضوعية/العوامل الخارجية للنفس المعنية وهو على أوجه تصاعدية: قصير عند المنيبين، متوسط عند التوابين، طويل عند المفرطين، لانهائي عند الطواغيت مثلا.
قانون التطور: لذلك جاء الوحي متدرجا وممنهجا حسب الأحوال النفسية والأوضاع الإجتماعية والسياسية وحسب الأبعاد التربوية ليأطر ويطور ذلك التفاعل بين الحق الذي يمثله وبين مختلف أنواع النفوس في ظل معطيات واقعية معينة وبطريقة منهجية لتحقيق مراد الله عز وجل قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32)، وقال أيضا: (كُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود:120).
وفي كل مرحلة من مراحل ذلك التفاعل تقع ظاهرة مزدوجه تشه مرة أخرى الظواهر الكونية في التصفية قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(آل عمران: من الآية179)، فمن جهة تلتحق طائفة المنيبين والتوابين إلى معسكر الحق ويزدادون إيمانا، ومن جهة أخرى تثبت طائفة الباطل على الباطل ويزدادون نفاقا وكفرا وطغيانا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا لا يعنى قمة نزاهة معسكر الحق ولا تمام خبث معسكر الباطل، فقد يكون بعض المنافقين منسلين داخل أهل الحق كما قد يكون بعض المترددين مع أهل الباطل وبطبيعة الحال تلك أمور غيبية لأن مناطها القلب لا يعلمها إلا الله.
قانون الحسم: ولازال قانوني التطور والتفاعل في حركة لولبية تصاعدية يأخذ الطائفة المؤمنة في مسلسل الإبتلآت النفسية والتمحيصات القلبية حتى يتحقق التفاعل الكامل بين الحق وأهله ويتحقق التطور الكافي لقلب معادلة الصراع فيقع التصادم الكوني والنصر القدري لأهل الحق.
ومن هنا، وفي محاولة لإحياء ذلك التطور والتفاعل بين الحق وحقيقة النفوس، ترسم الخلفية المنهجية أهم المحطات التي عرفتها السيرة النبوية من زاوية تأطير الوحي لمختلف مراحل الحياة النفسية والإجتماعية والسياسية للرسول صلى الله عليه وسلم وجيل الصحابة رضوان الله عليهم. ويمكن إجمالها في أربعة مراحل مهمة تحت مسمى المسلك الحركي وهي الإنتفاضة الوجدانية، النقاهة الروحية، التربية العقدية والمنهجية الحركية.
المسلك الحركي:
1) الانتفاضة الوجدانية: دوافعها ومراحلها
تكمن دوافع الإنتفاضة الوجدانية في:
 - الحالة المؤلمة التي تعيشها أمتنا الإسلامية.
 - تكالب أعداء التوحيد عليها.
- الحالة الغثائية الجماعية التي تعيشها بفعل التخلي عن حركية الدين في أرض الواقع.
 - الغيبوبة الفردية التي يعيشها أفراد هذه الأمة (إلا من رحم ربك) بفعل الإدمان عن الحياة.
ويمكن إجمال مراحل الإنتفاضة الوجدانية في:
- البحث عن الحق:
تهدف هذه المرحلة إلى تحقيق النقاهة الوجدانية وتحفيز المعالم الفطرية وإزالة الرواصب عليها لإعداد النفس لتلقي الحق الرباني، وتناسب هذه المرحلة مرحلة خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حيراء فبل الوحي لتعبد والتأمل.
وتقتضي هذه المرحلة خلوة ذاتية وهجرة مؤقتة والإبعاد عن مصادر التشويش والتلوث والفتن بغية الإنفراد والإنعزال.
- تلقي الحق:
تتناسب هذه المرحلة لحظة ظم جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حيراء مرتين وأمره بالقراءة علما منه عليه السلام أنه صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله وأنه كان أمِّيا، ولعل الحكمة من تلك الصرامة المنهجية خلق في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم حاجة حيوية لتلقي الرسالة للخلاص من ذلك الموقف الضيق المميت وإحداث انتفاضة الداخلية بحجم القضية التي يعده من أجلها - والله أعلم - ، فالقرآن هو الخلاص من هذه الجاهلية الخانقة المميتة...ولحظة تلقيه هي لحظة الإحياء الجديد لضمير البشري...
وتقتضي هذه المرحلة إنقلاب داخلي عن الماضي الوجدان وتحرر من القيود النفسية المتراكمة وثورة وجدانية للتقاط الحظة القرآنية بجميع أطيافها وخلق قطيعة جدرية مع الماضي الجاهلي وإعداد النفس للمرحلة الجديد بما تحمل من حلاوة إيمانية وعبأ ثقيل.
- الإنابة إلى الحق:
تناسب هذه المرحلة الأمر الثالث بالقراءة وهو الأمر الرباني الأول للإنسانية ويتمثل في القرائتين الكونية والشرعية قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5) وتتجلى القراءة الأولى بالرجوع إلى كتاب الله المنضور أي الكون لاستقراء القدرة والعظمة الإلاهية في الكون وتقدير الخالق سبحانه حق قدره، أما القراءة الثانية فتقتضي الرجوع إلى كتاب الله المسطور أي القرآن لإحياء إنسانية الإنسان وتقدير مدى تكريمه بالوحي.
2) النقاهة الروحية: دائما في ظل الهجرة المؤقته يستحسن العمل على تطوير ثلاث أمور:
 - العلو الروحي بالذكر وتلاوة القرآن والقيام (الذي كان واجبا مدة عام).
 - الإعداد النفسي لتلقي المهمة الجديدة الثقيلة والتي تقتضي الإرتباط بالحق ارتباطا لا رجعة فيه وتحقيق مقتضياته مهما على الثمن.
- الإتسام بالسلوك الحركي الأولي لصاحب القضية وهو التوكل والصبر.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً، إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً، وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل) .
3) التربية العقدية:
تهدف هذه المرحلة إلى تحقيق الخلفيات الأربع السالف ذكرها (الخلفية الخلقية والسلوكية والتربوية والشق النظري من الخلفية العلمية العملية) وهي تركز على الإهتمام بالقرآن المكي في بداية الأمر لتشرب عقيدة التوحيد والولاء واليرآء ومعالم العروة الوثقى وإفراز العنصر التوحيدي الخالص ومسلم القضية الإسلامية اتباعا للسنة الربانية في تربية الرجال إذ أن القرآن ضل مدة 13 عام وهو يعالج موضوع العقيدة قبل الهجرة في ظل أوضاع نفسية واجتماعية وسياسية معينة للفئة المسلمة، ولعل الحكمة في ذلك تكمن في:
 - علم الله تعالى بحقيقة النفوس وخصائصها الذاتية أنها تحتاج إلى زمن معين لتتفاعل مع الحق ولتطور في ظله.
 - علم الله تعالى بالمنهج الفعلي الذي يناسبها حتى تتشرب المنهج ولتثبت عليه عند المحك الذي لا مناص لها عنه.
وهي تقتضي معايشة القرآن كأنه يتنـزل عليك في تلك اللحظة ويخاطبك ويستحسن تفسير القرآن بالرجوع إلى التفسير الموضوعي وعلم المناسبات والسيرة النبوية وقصص الأنبياء.
4) المنهجية الحركية: محاولة تفعيل الشق العملي للخلفية العلمية العملية بتنزيل المقتضيات الإيمانية، الأمنية، الدعوة، التربوية، الجهادية، التنظيمية على أرض الواقع (النفس والمجتمع) في ايطار محدد ذو أهداف واضحة وقدرات مناسبة وباحترام الأولويات.
خاتمة الجزء الأول:
حاولنا في هده المبادرة تقديم منهجية حركية لاستقراء ثوابت من القرآن تمثل المقومات الأصيل للبناء الحضاري للأمة الإسلامية، ولا نزعم بطبيعة الحال أننا أحطنا بجميع جوانب الموضوع. والله أعلم.
كما أسألكم الدعاء لإصدار الجزء الثاني من هدا الموضوع والدي سيتضمن إن شاء الله:
الإنسان: وسنحاول إبراز فيه عناصر الكينونة الإنسانية وكيفية تربيتها في ظل القرآن.
البرنامج العام: وهو عبارة عن تلخيص عام للموضوع واقتراح لبرنامج عام لتعامل مع القرآن.
دليل القرآن: وهو عبارة عن تلخيص لـ في الظلال القرآن لسيد قطب رحمة الله عليه مدعوما ببعض التفاسير الأخرى. وهدا الدليل سيقدم كل سورة من القرآن من زاوية حركية أي ما تقدمه السورة لإصلاح الواقع من خلال الإنسان.
والله المستعان

0 التعليقات :

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets