12 يناير 2014

الشريعة التي نقصد.. والتطبيق الذي نريد



الشريعة التي نقصد.. والتطبيق الذي نريد


يعيب الشانئون للشريعة من الذين كرهوا ما أنزل الله، على الدعاة إلى تحكيمها وتطبيقها، أنهم لا يعرفون ما يريدون ولا يحددون ما يقصدون من دعوتهم إلى الالتزام بنظامها في النفس والناس، ولهؤلاء يقال: " إن الشريعة التي نريد: هي كمال الامتثال القلبي لكل ما شرعه الله لعباده في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في واقع الحياة والالتزام بذلك بالقول والعمل بقدر الوسع والاستطاعة على مستوى الفرد والجماعة ".

فكل الأحكام في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والنظام هي ما يسمى (شريعة) فهي الملة كلها، والدين بأصوله وفروعه، إنها كالماء الجاري بالحياة في شرائع الوديان، جريان الدم بالحياة في عروق الإنسان، لذلك كانت حياة الشريعة أن تكون هي شريعة الحياة، بحيث تنظم حياة الخلق، وفق ما يريد الخالق، فيقصدوا رضاه بالشرع، كما يقصد السالك مراده عن طريق سلوك الشارع، ويعرفوا مراد الله فيما يجب أن يعتقدوه، وما يتعين أن يتعبدوا الله به وفق ما يريد، لا ما وفق ما يريدون.

إن تعظيم واحترام أحكام الشريعة، هو الحد الأدنى لإيمان المؤمن وإسلام المسلم، لأنه لا إيمان ولا إسلام إلا بهذا الاحترام، ثم يأتي الامتثال والالتزام بحسب الوسع والطاقة على مستوى الأفراد والمجتمعات دون كذب على الله أو دجل على عباد الله، وعلى أساس ذلك الالتزام تقسم الطبقات في أعلى الدرجات أو سافل الدركات، وعلى قدر الأخذ أو الترك من هذه الشريعة في الدنيا، تكون مصائر العباد في الآخرة، لأنها الدين كله.

ولو تأملنا بعض مقالات الأولين في معنى الشريعة، لوجدنا أنها حقاً تسع الدين بتمامه والملة بأكملها.. فقوانين الشريعة وأحكامها، هي كل ما جاء في ملة الإسلام، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " الشريعة هي الهدى "، وقال قتادة: " هي الأمر والنهي والحدود والفرائض "، وقال مقاتل: " هي البينة (المذكورة في سورة البينة) "، وقال ابن العربي: " الشريعة هي الطريقة من الدين وهي ملة الإسلام ". (انظر هذه الأقوال في تفسير القرطبي للآية 8 من سورة الجاثية) المسماة أيضاً بسورة الشريعة.

لذلك فإن ما نقصده من الدعوة إلى تطبيق الشريعة، هو أن تجد من يحييها ويحميها وينميها في حياة الأفراد والمجتمعات، بشكل شامل ومتوازن، ليس فيه تبعيض من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، أو تبديل من يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، أو تحريف من يقولون على الله ما لا يعلمون.

ليس المقصود إذن بالدعوة إلى تحكيم الشريعة وتطبيقها، ذلك المفهوم القاصر الذي يقصرها على تنفيذ بعض أحكام العقوبات الجنائية على بعض الفئات الاجتماعية، فهذه الأحكام وإن كانت داخلة ضمن الشريعة؛ إلا أنها جزء من منظومتها المتكاملة، الكفيلة برفع ظلم ونشر العدل، وتثبيت المساواة الواقعية وإقرار الحريات المسئولة، حيث لا يُقدم على الانحراف بعدها إلا منحرف،ولا يزيغ عنها إلا معوج يحتاج إلى تقويم.

إن الشريعة إيمان بالله .. يترجمه الإسلام إلى أمر الله .. الشريعة عدل .. الشريعة مساواة .. الشريعة طهر .. الشريعة عفاف .. الشريعة أمانة .. الشريعة اتحاد القوة، والشريعة اقتصاد الوفرة .. الشريعة سياسية مسؤلة وعدالة مكفولة، واحترام للجار وعدم الاعتداء على الغير، في الشريعة حرمة الدماء وحفظ الأعراض وكف الأذى والحفاظ على الأموال، والأوطان، والمصالح.

قد يقال إن كل ذلك يمكن أن ينال في ظل قوانين البشر.. نقول: قد يكون بعض ذلك، لكن لا على وجه الكمال والجمال والجلال المجموع في شريعة العلي المتعال ـ سبحانه وتعالى ـ التي وإن فُتحت بعض أبواب الدنيا مع غيرها، فإن سعادة الدنيا والآخرة لا تكون إلا بها، لأنها هي الديانة كلها.

0 التعليقات :

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets